فصل: الشُّفْعَةُ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.فيمَنْ اشْتَرَى نَقْضَ شِقْصٍ وَالشَّرِيكُ غَائِبٌ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت نَقْضَ شِقْصٍ في الدَّارِ وَالشَّرِيكُ غَائِبٌ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ اشْتَرَيْت نَصِيبَ رَجُلٍ في نَخْلٍ وَشَرِيكُهُ فيهَا غَائِبٌ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ النَّخْلَ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا الِاشْتِرَاءُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ وَقَعَتْ غَيْرَ صَحِيحَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْلَعَ مَا اشْتَرَى؛ لِأَنَّ لِلشَّرِيكِ فيهِ النِّصْفَ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَائِعَ نَفْسَهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ حِصَّتَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ شَرِيكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَا لَيْسَ لَهُ.
أَلَا تَرَى أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُقَاسِمَ شَرِيكَهُ النَّخْلَ وَحْدَهَا عَلَى أَنْ يَقْلَعَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَاسِمَهُ النَّخْلَ وَالْأَرْضَ جَمِيعًا فيصْنَعُ في نَخْلِهِ مَا شَاءَ، فَإِمَّا أَنْ يُقَاسِمَهُ النَّخْلَ وَحْدَهَا وَيَتْرُكَ الْأَرْضَ بَيْنَهُمَا فيقْلَعَ نَخْلَهُ أَوْ يَتْرُكَ نَخْلَ صَاحِبِهِ في الْأَرْضِ، فَهَذَا لَا يَصْلُحُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّى اشْتَرَيْت نَقْضَ دَارٍ عَلَى أَنْ أَقْلَعَهُ، ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الدَّارِ، أَيَكُونُ لِمُشْتَرِي النَّقْضِ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ في يَدَيْهِ مِنْ النَّقْضِ عَلَى الْبَائِعِ مِمَّا لَمْ يَسْتَحِقَّ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِذَا رَدَّهُ، أَيَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ في هَذَا النَّقْضِ شُفْعَةٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُسْتَحِقَّ لَيْسَتْ لَهُ شُفْعَةٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَبِعْ الْأَرْضَ، إنَّمَا بَاعَ النَّقْضَ وَحْدَهُ وَالْأَرْضُ أَرْضُهُ، فَلَا تَكُونُ لَهُ في النَّقْضِ شُفْعَةٌ.
وَإِنَّ الَّذِي يَكُونُ لِلْمُسْتَحِقِّ أَنْ يَأْخُذَ النَّقْضَ بِالْقِيمَةِ، إنَّمَا ذَلِكَ رَجُلٌ بَاعَ نَقْضَ دَارِهِ كُلَّهُ عَلَى أَنْ يَقْلَعَهُ الْمُشْتَرِي، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ دُونَ الْبِنَاءِ، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: أَنَا أَقْلَعُ، وَقَالَ الْمُسْتَحِقُّ: أَنَا أُعْطِيَك قِيمَةَ بُنْيَانِك، إنَّ ذَلِكَ لِلْمُسْتَحِقِّ وَيُعْطِيهِ قِيمَةَ بُنْيَانِهِ، وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَكِنْ يُعْطِيهِ قِيمَتَهُ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ وَجْهِ أَنَّهُ شَفيعٌ في هَذَا، وَلَكِنْ مِنْ وَجْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا ضَرَر وَلَا ضِرَارَ» فَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ نَقْضِهِ فَلَيْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَقْلَعَ النَّقْضَ ضَرَرٌ، وَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ هَذَا في النَّخْلِ وَالْأَرْضِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ نَخْلًا لَهُ في أَرْضِهِ عَلَى أَنْ يَقْلَعَهُ الْمُشْتَرِي، فَأَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ الْأَرْضَ دُونَ النَّخْلِ، كَانَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى مُشْتَرِي النَّخْلِ قِيمَةَ النَّخْلِ مَنْقُوضًا، وَالْبَيْعُ جَائِزٌ فيمَا بَيْنَ مُشْتَرِي النَّخْلِ وَبَيْنَ الْبَائِعِ وَيُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ ادْفَعْ قِيمَةَ النَّخْلِ إلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمُشْتَرِي اقْلَعْ نَخْلَك.
فَهَذَا وَالنَّقْضُ في هَذَا الْوَجْهِ سَوَاءٌ.
وَهَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا غَرَسَ في أَرْضِ رَجُلٍ لَا يَظُنُّهَا إلَّا لَهُ، فَاسْتَحَقَّهَا أَوْ اكْتَرَى أَرْضًا سِنِينَ فَانْقَضَتْ سُنُوهُ، كَانَ مُسْتَحِقُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْأَرْضِ الَّذِي أَكْرَاهَا بِالْخِيَارِ، إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ شَجَرِهِ، إلَّا أَنَّهُ في الْكِرَاءِ يَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَةَ شَجَرِهِ مَقْلُوعًا، وَفي الَّذِي غَرَسَ وَلَا يَظُنُّهَا إلَّا لَهُ يَدْفَعُ إلَيْهِ قِيمَتَهُ غَيْرَ مَقْلُوعٍ؛ لِأَنَّهُ غَرَسَ عَلَى وَجْهِ الشُّبْهَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَرْضَ هَذَا الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ شَجَرِهِ، قِيلَ لَهُ أَسْلِمْ أَرْضَك بِقِيمَتِهَا، فَإِنْ أَبَيَا جَمِيعًا، أَبَى هَذَا أَنْ يَأْخُذَ الشَّجَرَ بِقِيمَتِهَا غَيْرَ مَقْلُوعَةٍ، وَأَبَى هَذَا أَنْ يَأْخُذَ الْأَرْضَ بِقِيمَتِهَا، كَانَا شَرِيكَيْنِ في هَذَا، هَذَا بِقِيمَةِ شَجَرِهِ وَهَذَا بِقِيمَةِ أَرْضِهِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.

.في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الدَّارَ فيهْدِمُهَا أَوْ يَهْدِمُهَا رَجُلٌ تَعَدِّيًا ثُمَّ تُسْتَحَقُّ فَهَلْ يَضْمَنْ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت دَارًا فَهَدَمْتهَا ثُمَّ بَنَيْتهَا، أَوْ هَدَمَهَا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ مَنْ النَّاسِ، أَوْ تَهَدَّمَتْ مِنْ أَمْرٍ مَنْ السَّمَاءِ، ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ نِصْفَهَا، أَيَكُونُ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فيمَا هَدَمَ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي فيمَا هَدَمَ الْمُشْتَرِي مِمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَهُ أَوْ أَرَادَ أَنْ يَتَوَسَّعَ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ كَانَ هَدَمَ فَبَاعَ النَّقْضَ، فَإِنَّ لَهُ نِصْفَ ثَمَنِ النَّقْضِ وَيَفُضُّ الثَّمَنَ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى قِيمَةِ النَّقْضِ الَّذِي بَاعَ وَعَلَى قِيمَةِ قَاعَةِ الدَّارِ، فينْظُرُ إلَى النَّقْضِ الَّذِي بَاعَ كَمْ هُوَ مِنْ الدَّارِ ثُلُثٌ أَوْ رُبُعٌ أَوْ نِصْفٌ، فيكُونُ لَهُ فيمَا بَقِيَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالشُّفْعَةِ بِمَا يُصِيبُهُ مِنْ حِصَّةِ الثَّمَنِ، وَيَنْظُرُ إلَى قِيمَةِ النَّقْضِ مِنْ قِيمَةِ الْعَرْصَةِ كَمْ كَانَ مِنْهَا، فيفَضُّ الثَّمَنُ عَلَيْهِمَا ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَرْصَةَ بِاَلَّذِي يُصِيبُهَا مِنْ حِصَّةِ الثَّمَنِ.
قَالَ: وَهَذَا رَأْيِي وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ هَدَمَهَا إنْسَانٌ ظُلْمًا فَلَمْ يَأْخُذْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ثَمَنًا حَتَّى اسْتَحَقَّ هَذَا نِصْفَ الدَّارِ، فُضَّ الثَّمَنُ عَلَى مَا هُدِمَ مِنْهُ وَمَا بَقِيَ مِنْهُ، ثُمَّ أَخَذَ الْعَرْصَةَ بِمَا يُصِيبُهَا مِنْ حِصَّةِ الثَّمَنِ، ثُمَّ أَتْبَعَ الْمُشْتَرَى الْغَاصِبَ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا قَلَعَ وَكَانَ لَهُ وَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا بَاعَ وَأَتْبَعَهُ الْمُسْتَحِقُّ بِمِثْلِ ذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي قَدْ كَانَ تَرَكَ لِلْهَادِمِ قِيمَةَ مَا هَدَمَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا هَذَا الْمُسْتَحِقُّ؟
قَالَ: فَلِلْمُسْتَحِقِّ عَلَى الْهَادِم نِصْفُ قِيمَةِ ذَلِكَ وَسَقَطَتْ عَنْهُ حِصَّةُ الْمُشْتَرِي.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ عَدِيمًا، أَيَرْجِعُ الْمُسْتَحِقُّ عَلَى الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ؟
قَالَ: لَا.
قَالَ: وَلَيْسَ مَا انْهَدَمَ بِأَمْرٍ مِنْ اللَّهِ مِمَّا لَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي فيهِ، بِمَنْزِلَةِ مَا هُدِمَ فَبَاعَهُ أَوْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ أَوْ هَدَمَهُ هَادِمٌ عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ، فَقَدْ صَارَ مَا هُدِمَ ضَامِنًا لِلْمُشْتَرِي فَجَرَى عِنْدِي مَجْرَى الْبَيْعِ.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا في سُوقٍ مِنْ أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ، فَوَهَبَهُ لِرَجُلٍ ثُمَّ أَتَى رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّهُ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْمُسْتَحِقِّ: إنْ شِئْت فَاتْبَعْ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ وَإِلَّا فَاطْلُبْ الْعَبْدَ، فَإِنْ وَجَدْته أَخَذْته وَلَا شَيْءَ لَك عَلَى الْمُشْتَرِي الْوَاهِبِ.
قُلْت: وَالنِّصْفُ الَّذِي اسْتَحَقَّ وَالنِّصْفُ الَّذِي يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ سَوَاءٌ عِنْدَك وَسَوَاءٌ مَسْأَلَتِي في النَّقْضِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْدِمْ مَا هَدَمَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ التَّعَدِّي، لَا في النِّصْفِ الَّذِي اسْتَحَقَّ وَلَا في النِّصْفِ الَّذِي أَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ هَدَمَ جَمِيعَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ أَنَّهُ لَهُ مِلْكٌ وَلَيْسَ بِغَاصِبٍ وَلَا مُتَعَدٍّ.

.الشُّفْعَةُ فيمَا وُهِبَ لِلثَّوَابِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت شِقْصًا لِي في دَارٍ عَلَى عِوَضٍ، أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى عِوَضٍ، أَوْ أَوْصَيْت بِهِ عَلَى عِوَضٍ، أَتَكُونُ فيهِ الشُّفْعَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَهَذَا كُلُّهُ بَيْعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَفيهِ الشُّفْعَةُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى عِوَضٍ فَهُوَ بَائِعٌ.
قُلْت وَيَأْخُذُهَا الشَّفيعُ في جَمِيعِ هَذَا بِقِيمَةِ الْعِوَضِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ كَانَتْ الدَّارُ في يَدِ الْوَاهِبِ لَمْ يَدْفَعْهَا بَعْدُ، أَيَكُونُ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ وَهَبَ الدَّارَ عَلَى عِوَضٍ قَدْ سَمَّاهُ، فَلِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ بِقِيمَةِ ذَلِكَ الْعِوَضِ، إنْ كَانَ عَرَضًا وَإِنْ كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ وَرِقًا أَوْ ذَهَبًا أَخَذَهَا بِذَلِكَ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهُ بِحِنْطَةٍ أَوْ بِشَعِيرٍ أَوْ زَيْتٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الطَّعَامِ أَوْ الْإِدَامِ، أَخَذَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَبِمِثْلِ كَيْلِهِ وَبِمِثْلِ صِنْفِهِ قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ هِبَتَهُ أَوْ لَمْ يَقْبِضْ؛ لِأَنَّ هَذَا بَيْعٌ قَالَ: وَإِنْ كَانَ إنَّمَا وَهَبَ الدَّارَ عَلَى عِوَضٍ يَرْجُوهُ وَلَمْ يُسَمِّهِ، فَلَيْسَ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ إلَّا بَعْدَ الْعِوَضِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت شِقْصًا في دَارٍ عَلَى ثَوَابٍ أَرْجُوهُ، أَيَكُونُ لِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَ الدَّارَ وَيَرْجِعَ فيهَا مَنْ قَبْلِ أَنْ يُثَابَ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا أَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِقِيمَتِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فيهَا.
وَإِنْ هُوَ أَثَابَهُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فيهَا فيأْخُذَهَا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ بِنَمَاءٍ وَلَا نُقْصَانٍ، فَلِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَهَا إذَا لَمْ يَثِبْهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِقِيمَتِهَا، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الَّذِي وُهِبَتْ لَهُ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى ثَوَابٍ إنْ كَانَتْ الدَّارُ لَمْ تَتَغَيَّرْ عَنْ حَالِهَا؟
قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ الْهِبَةُ غَيْرَ الدَّارِ، فَوَهَبَ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرَهُ فَهُوَ سَوَاءٌ أَيْضًا مِثْلَ مَا وَصَفْت لَك.
وَإِنَّمَا يُقَالُ لِصَاحِبِ الدَّارِ: خُذْهَا إنْ شِئْت وَلَا شَيْءَ لَك غَيْرَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَقْبَلَ مَا أَثَابَك بِهِ إنْ كَانَ أَثَابَك بِأَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُثِبْك بِشَيْءٍ لَمْ يُجْبَرْ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى ثَوَابٍ، إلَّا أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى رَدِّ الْهِبَةِ إنْ كَانَتْ لَمْ تَتَغَيَّرْ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَغَيَّرَتْ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الدَّارِ أَنْ يَأْخُذَهَا وَلَا رَبِّ الْهِبَةِ، فَإِنْ كَانَتْ تَغَيَّرَتْ الدَّارُ أُجْبِرَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَى قِيمَتِهَا يَوْمَ قَبْضِهَا عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ، وَيُقَالُ لِلشَّفيعِ: خُذْ الْآنَ بِالشُّفْعَةِ أَوْ دَعْ إذَا قَضَى عَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ بِقِيمَتِهَا.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبَهَا لَهُ رَجُلٌ جَاءَ الثَّوَابَ، فَتَغَيَّرَتْ الدَّارُ في يَدَيَّ الْمَوْهُوبِ لَهُ، ثُمَّ أَثَابَهُ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِأَكْثَرَ مَنْ قِيمَةِ الدَّارِ أَضْعَافًا، أَيُقَالُ لِلشَّفيعِ خُذْ بِجَمِيعِ ذَلِكَ أَوْ دَعْ أَوْ يَأْخُذُهَا الشَّفيعُ بِقِيمَتِهَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ يَأْخُذَهَا بِجَمِيعِ مَا أَثَابَهُ بِهِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ إنَّمَا يَهَبُونَ الْهِبَاتِ لِلثَّوَابِ رَجَاءَ أَنْ يَأْخُذُوا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ مَا أَعْطُوا، وَإِنَّمَا رَجَعُوا إلَى الْقِيمَةِ حِينَ تَشَاحُّوا بَعْدَ تَغْيِيرِ السِّلْعَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْهِبَةَ لَوْ كَانَتْ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ رُدَّتْ إلَّا أَنْ يُمْضِيَهَا الْوَاهِبُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَ النَّاسِ هِبَةُ الثَّوَابِ إنَّمَا يَطْلُبُونَ بِهَا كَفَافَ الثَّمَنِ لَمَا وَهَبَ أَحَدٌ لِثَوَابٍ، وَلَحَمَلَهَا عَلَى وَجْهِ السُّوقِ فَانْتَقَدَ الثَّمَنَ، وَلَكِنَّهُمْ رَجَوَا الْفَضْلَ في ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْفَضْلِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت، شِقْصًا في دَارٍ رَجَاءَ الثَّوَابِ، فَقَالَ الشَّفيعُ: أَنَا آخُذُهَا السَّاعَةَ بِالْقِيمَةِ أَيَكُونُ ذَلِكَ لِلشَّفيعِ؟
قَالَ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ وَهَبَ هِبَةً رَجَاءَ الثَّوَابِ، لَمْ يَكُنْ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالشُّفْعَةِ إلَّا بَعْدَ الثَّوَابِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ أَوْصَيْت أَنْ يُبَاعُ شِقْصٌ لِي مَنْ دَارٍ مَنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا فَلَمْ يَقْبَلْ الْمُوصَى لَهُ بِالْبَيْعِ ذَلِكَ، أَيَكُونُ لِلشَّفيعِ الشُّفْعَةُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي لَا أَرَى لَهُ الشُّفْعَةَ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ بِعْت شِقْصِي هَذَا مِنْ فُلَانٍ بِكَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا إنْ قَبِلَهُ، فيقُولُ: لَا أَقْبَلُ، فَلَا تَكُونَ لِلشَّفيعِ الشُّفْعَةُ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَبِيعُ مِنْ الرَّجُلِ شِقْصًا مِنْ دَارٍ عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ: إنَّهُ لَا شُفْعَةَ لِشَرِيكِهِ في ذَلِكَ حَتَّى يَأْخُذَ الْمُشْتَرِي أَوْ يَدَعَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ؟
قَالَ: الْخِيَارُ إذَا كَانَ لِلْبَائِعِ فَهَذَا لَا شَكَّ فيهِ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ فيهِ.

.بَابُ الْهِبَةِ لِغَيْرِ الثَّوَابِ:

قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت هِبَةً لِغَيْرِ الثَّوَابِ وَلَا لِرَجَاءِ الثَّوَابِ، فَعَوَّضَنِي مِنْهَا فَقَبِلْت عِوَضَهُ، أَيَكُونُ هَذَا بَيْعًا وَتَجِبُ فيهِ الشُّفْعَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ الْهِبَةُ عَلَى وَجْهِ الصِّلَةِ لِلرَّحِمِ أَوْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ، لَا يُرِيدُ بِهَا ثَوَابًا ثُمَّ أَثَابَهُ صَاحِبُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَمْرٍ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ فيهِ قَضَاءٌ مِنْ الْقَاضِي، فَلَا شُفْعَةَ فيهِ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ تَصَدَّقَ عَلَى رَجُلٍ بِصَدَقَةٍ، فَأَثَابَهُ الَّذِي تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِثَوَابٍ، ثُمَّ أَتَى الرَّجُلُ بَعْدَ ذَلِكَ يَطْلُبُ ثَوَابَهُ وَقَالَ: إنِّي ظَنَنْت أَنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُنِي، فَأَمَّا إذَا كَانَ لَا يَلْزَمُنِي فَأَنَا أَرْجِعُ فيهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ، وَإِنْ فَاتَ لَمْ أَرَ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا.
فَهَذَا مِمَّا يَدُلُّك عَلَى مَسْأَلَتِك أَنَّهُ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ثَوَابَهُ إذَا وَجَدَهُ، فَإِنَّ مَسْأَلَتَك أَنَّهُ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ تَطَوَّعَ بِهِ الْوَاهِبُ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُ الْمَوْهُوبَ لَهُ فيهِ ثَوَابٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبْت شِقْصًا مِنْ دَارٍ كَانَ لِابْنِي وَابْنِي صَغِيرٌ في عِيَالِي - عَلَى عِوَضٍ، أَتَجُوزُ هَذِهِ الْهِبَةُ وَتَكُونُ فيهَا الشُّفْعَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ حَابَى الْأَبُ الْمَوْهُوبَ لَهُ، أَتَجُوزُ مُحَابَاتُهُ في مَالِ ابْنِهِ؟ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ الْعِوَضِ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الشِّقْصِ الَّذِي وَهَبَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ.
قَالَ: لَا تَجُوزُ مُحَابَاتُهُ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَا تَجُوزُ هِبَتُهُ في مَالِ ابْنِهِ.
قُلْت: وَكَيْفَ يَصْنَعُ بِهَذَا الشِّقْصِ الَّذِي حَابَى فيهِ الْأَبَ، أَيَجُوزُ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُرَدُّ كُلُّهُ.
قُلْت: وَلِمَ رَدَدْته كُلَّهُ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ لَهُ وَابْتِغَاءِ الْفَضْلِ لَهُ، فَإِذَا كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ يَقُولُ: لَا يَجُوزُ مَا وَهَبَ الْأَبُ وَلَا مَا حَابَى وَلَا مَا تَصَدَّقَ مِنْ مَالِ ابْنِهِ وَلَا مَا أَعْتَقَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا في الْعِتْقِ وَحْدَهُ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا جَازَ ذَلِكَ عَلَى الْأَبِ في الْعِتْقِ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ في مَالِهِ وَلَا يَجُوزُ في الْهِبَةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا.
قُلْت: أَرَأَيْت الْوَصِيَّ إذَا وَهَبَ شِقْصًا في دَارِ الصَّبِيِّ لِلثَّوَابِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ رَبَاعَ الْيَتَامَى إلَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ وَجْهٌ، مِثْلَ السُّلْطَانِ يَكُونُ جَارًا لَهُ أَوْ الرَّجُلِ الْمُوسِرِ يَكُونُ جَارًا لِهَذَا الْيَتِيمِ، فيعْطِيه بِنَصِيبِهِ مِنْ الدَّارِ أَوْ بِدَارِهِ أَوْ بِقَرْيَتِهِ أَوْ بِحَائِطِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِهَا، مِمَّا يَعْرِفُ أَنْ بِيعَهَا غَبَطَهُ في ذَلِكَ وَنَظَرَ لِلصَّبِيِّ، أَوْ يَكُونُ لَيْسَ في غَلَّتِهَا مَا يَحْمِلُهُ، فيجُوزُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ لَمْ يَجُزْ.
فَمَسْأَلَتُك إنْ كَانَ الَّذِي وَهَبَ لَهُ عَلَى عِوَضٍ عَلَى مِثْلِ هَذَا فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَلِلشَّفيعِ فيهِ الشُّفْعَةُ، وَمَا كَانَ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فَلَيْسَ يَجُوزُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ وَهَبَ الْمُكَاتَبَ شِقْصًا لَهُ في دَارٍ عَلَى ثَوَابٍ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: هَذَا بَيْعٌ، وَهُوَ جَائِزٌ إذَا لَمْ يَكُنْ يُحَابِي عِنْدَ مَالِكٍ، وَتَكُونُ لِلشَّفيعِ فيهِ الشُّفْعَةُ كَمَا وَصَفْت لَك.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَهُ في التِّجَارَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ هَذَا بَيْعًا فَهُوَ مِنْ التِّجَارَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت شِقْصًا مِنْ دَارٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، فَبِيعَ الشِّقْصُ الْآخَرُ بَيْعًا بَتَلَهُ بَائِعُهُ بِغَيْرِ خِيَارٍ، لِمَنْ الشُّفْعَةُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى الشُّفْعَةَ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ لَهُ الْخِيَارُ إنْ قَبِلَ الْبَيْعَ، وَكَانَ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ فيمَا اشْتَرَى صَاحِبُهُ.
وَإِنْ رَدَّ أَيْضًا الَّذِي كَانَ لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ، كَانَ بَائِعُهُ أَوْلَى بِالشُّفْعَةِ فيمَا بَاعَ صَاحِبُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت دَارًا عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثًا، فَانْهَدَمَتْ الدَّارُ في أَيَّامِ الْخِيَارِ، أَيَكُونُ لِي أَنْ أَرُدَّهَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَك أَنْ تَرُدَّهَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْك فيمَا انْهَدَمَ مِنْهَا شَيْءٌ.
قُلْت: وَلَا يَكُونُ لِلشَّفيعِ فيهَا شُفْعَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا شُفْعَةَ فيهَا وَلَوْ رَدَّهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، فَكَذَلِكَ إذَا انْهَدَمَتْ فَرَدَّهَا فَلَا شُفْعَةَ فيهَا أَيْضًا.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَزَوَّجْت عَلَى شِقْصٍ في دَارٍ أَوْ خَالَعْتُ امْرَأَتِي عَلَى شِقْصٍ مَنْ دَارٍ، أَتَكُونُ فيهِ الشُّفْعَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، مِثْلُ النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ.
قُلْت: فَإِنْ صَالَحْت مِنْ دَمِ عَمْدٍ كَانَ قَدْ وَجَبَ عَلَيَّ بِشِقْصٍ لِي في دَارٍ، أَتَكُونُ فيهِ الشُّفْعَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَبِمَاذَا يَأْخُذُهُ الشَّفيعُ في النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالصُّلْحِ في دَمِ الْعَمْدِ الشِّقْصَ الَّذِي يَأْخُذُهُ الشَّفيعُ؟
قَالَ: أَمَّا في النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ قَالَ لِي مَالِكٌ: يَأْخُذُ الشَّفيعُ الشِّقْصَ بِقِيمَتِهِ.
قَالَ: وَأَرَى الدَّمَ الْعَمْدَ مِثْلَ ذَلِكَ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الدَّمُ خَطَأً فَصَالَحَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى شِقْصٍ لَهُ في دَارٍ؟
قَالَ: يَأْخُذُهَا الشَّفيعُ بِالدِّيَةِ؛ لِأَنَّ الَّذِي أَخَذَهَا بِهِ هَذَا الَّذِي وَجَبَ لَهُ الدَّمُ إنَّمَا أَخَذَ الشِّقْصَ بِمَالٍ قَدْ وَجَبَ لَهُ وَهِيَ الدِّيَةُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي مِثْلَ مَا قَالَ مَالِكٌ في الشُّفْعَةِ إذَا اشْتَرَيْت الدَّارَ بِالدَّرَاهِمِ فَكَذَلِكَ هَذَا، إنَّمَا أَخَذَهَا بِالدِّيَةِ، وَالدِّيَةُ دِرْهَمٌ أَوْ دَنَانِيرُ إلَّا أَنِّي أَرَى إنْ كَانَ الَّذِينَ وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ مِنْ أَهْلِ الْإِبِلِ، أَخَذَ الدَّارَ الشَّفيعُ بِقِيمَةِ الْإِبِلِ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الذَّهَبِ أَخَذَ مِنْهُ الذَّهَبَ، وَأَنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْوَرِقِ أَخَذَ مِنْهُ الْوَرِقَ، وَتُقْطَعُ عَلَى الشَّفيعِ نُجُومًا كَمَا كَانَتْ تُقْطَعُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، إنْ كَانَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً فَفي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ كَانَتْ الثُّلُثَيْنِ فَفي سَنَتَيْنِ، وَإِنْ كَانَتْ ثُلُثَ دِيَةٍ فَفي سَنَةٍ، وَإِنْ كَانَتْ نِصْفَ دِيَةٍ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ لِي: أَرَى اجْتِهَادَ الْإِمَامِ في ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى.
فَقُلْنَا لَهُ: أَلَا تَكُونُ في سَنَتَيْنِ؟
فَقَالَ: مَا أَجِدُ فيهِ حَدًّا، وَلَكِنْ أَرَى اجْتِهَادَ الْإِمَامِ يَسَعُهُ، فَأَرَى لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِمِثْلِ مَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الدِّيَةُ عَلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ إذَا كَانَ النِّصْفُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا آخُذُ بِقَوْلِهِ الْأَوَّلِ، في سَنَتَيْنِ تُقْطَعُ نِصْفُ الدِّيَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اسْتَأْجَرْت إبِلًا إلَى مَكَّةَ بِشِقْصٍ لِي في دَارٍ فَأَرَادَ الشَّفيعُ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ، بِمَ يَأْخُذُهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَأْخُذُهَا بِمِثْلِ كِرَاءِ الْإِبِلِ إلَى مَكَّةَ.
قُلْت: وَيَكُونُ في مِثْلِ هَذَا شُفْعَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَكَفَّلْت بِنَفْسِ رَجُلٍ فَغَابَ الْمَكْفُولُ بِهِ، فَطَلَبَنِي الَّذِي تَكَفَّلْت لَهُ بِهِ فَلَمْ أَقْدِرْ عَلَيْهِ فَصَالَحْتُهُ مِنْ الْكَفَالَةِ الَّتِي تَكَفَّلْت لَهُ عَلَى شِقْصٍ في دَارٍ؟
فَقَالَ: إذَا عَلِمَ مَا الدَّيْنُ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ تَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ الْمَالُ الَّذِي عَلَى الْمَكْفُولِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ، فَهَذَا حِينَ تَكَفَّلَ بِنَفْسِ هَذَا الرَّجُلِ فَهُوَ ضَامِنٌ لِلْمَالِ.
فَإِذَا صَالَحَ وَقَدْ عَرَفَا الْمَالَ الَّذِي عَلَى الْمَكْفُولِ بِهِ بِنَفْسِهِ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ، وَيَأْخُذُ الشَّفيعُ الدَّارَ بِالدَّيْنِ الَّذِي كَانَ لِلْمَكْفُولِ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ الشِّقْصُ الدَّيْنَ الَّذِي كَانَ لَهُ.
قُلْت: وَبِمَ يَرْجِعُ الَّذِي دَفَعَ الشِّقْصَ عَلَى الَّذِي تَكَفَّلَ عَنْهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ إلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، إنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَالِ، وَإِنْ شَاءَ دَفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ الدَّارِ، إلَّا أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ الدَّارِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَنِ، فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ إلَّا الدَّيْنُ؛ لِأَنَّ الْكَفيلَ إنَّمَا غَرِمَ عَنْهُ هَذَا فَقَطْ، فَالْمَكْفُولُ عَنْهُ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ، هَذَا رَأْيِي، وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ مَالَهُ عَلَيْهِ فَلَا يَصْلُحُ الصُّلْحُ فيهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَكَفَّلْت بِنَفْسِ رَجُلٍ وَلَمْ يُذْكَرْ مَا عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ مَنْ الْمَالِ، أَتَجُوزُ هَذِهِ الْكَفَالَةُ لَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ غَابَ الْمَكْفُولُ عَنْهُ وَطَلَب الْمَكْفُولُ لَهُ هَذَا الْكَفيلَ بِمَا كَانَ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنَ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَخَذَ بِبَيِّنَتِهِ حَقَّهُ.
قُلْت: وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ وَادَّعَى أَنَّ لَهُ عَلَى الْمَكْفُولِ عَنْهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْكَفيلَ عَلَى عِلْمِهِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ نَكِلَ عَنْ الْيَمِينِ هَذَا الْكَفيلُ؟
قَالَ: يَحْلِفُ الْمَكْفُولُ لَهُ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ صَالَحْت مَنْ قَذَفَ لِرَجُلٍ عَلَى شِقْصٍ لِي في دَارٍ فَدَفَعْته إلَيْهِ، أَيَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ وَتَكُونُ فيهِ الشُّفْعَةُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى الصُّلْحَ في هَذَا جَائِزًا؛ لِأَنَّ الْحُدُودَ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ لَا عَفْوَ فيهَا إذَا بَلَغَتْ السُّلْطَانَ، فَلَا يَصْلُحُ فيهَا الصُّلْحُ عَلَى مَالٍ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى السُّلْطَانِ، إنَّمَا فيهَا الْعَفْوُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ إلَى السُّلْطَانِ، فَإِنْ بَلَغَتْ السُّلْطَانَ أُقِيمَ الْحَدُّ.
وَلَا يُعْرَفُ في هَذَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا.
وَكَذَلِكَ الْمُحَارِبُ إذَا أَخَذَهُ قَوْمٌ وَلَهُمْ قِبَلَهُ دَمٌ قَدْ قَتَلَ وَلِيَّهُمْ، فَأَخَذُوهُ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ، فَلَيْسَ عَفْوُهُمْ عَفْوًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحُوهُ مِنْ الدَّمِ عَلَى مَالٍ، فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَالْمَالُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ لَهُمْ في ذَلِكَ وَإِنْ بَلَغُوا السُّلْطَانَ.
قُلْت: تَحْفَظُ هَذَا عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ وَلَكِنَّهُ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ شَجَّنِي رَجُلٌ مُوضِحَتَيْنِ وَاحِدَةً عَمْدًا وَأُخْرَى خَطَأً فَصَالَحْته مِنْ ذَلِكَ عَلَى شِقْصٍ لَهُ في دَارٍ، فَأَرَادَ الشَّفيعُ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ؟
قَالَ: يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِدِيَةِ مُوضِحَةٍ خَطَأً وَبِنِصْفِ قِيمَةِ الشِّقْصِ، لِأَنِّي قَسَمْتُ الشِّقْصَ عَلَى الْمُوضِحَتَيْنِ، فَصَارَ نِصْفٌ هَهُنَا وَنِصْفٌ هَهُنَا، فَصَارَ مَا صَارَ لِلْخَطَأِ مِنْ ذَلِكَ مَالًا، وَمَا صَارَ مِنْ ذَلِكَ لِلْعَمْدِ فَلِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَةِ الشِّقْصِ، وَإِنَّمَا صَارَ لِلْعَمْدِ نِصْفُ الشِّقْصِ.
وَهَذَا مِثْلُ مَا أَخْبَرْتُك مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ في النِّكَاحِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي في قَتْلِ الْعَمْدِ وَفي جِرَاحِ الْعَمْدِ: لَيْسَ فيهِ دِيَةٌ، إنَّمَا هُوَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، فَلَمَّا قَالَ لِي مَالِكٌ: لَيْسَ فيهِ دِيَةٌ، إنَّمَا هُوَ مَا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ، كَانَ فيمَا صَارَ لِلْعَمْدِ قِيمَةُ ذَلِكَ الشَّيْءِ بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ.

.الشُّفْعَةُ في الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

قُلْت: أَرَأَيْت الْبَيْعَ الْفَاسِدَ، هَلْ فيهِ شُفْعَةٌ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ: يُفْسَخُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ في الدُّورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَفي الدُّورِ لَا أَرَى الْفَوْتَ فيهَا وَإِنْ تَطَاوَلَ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَإِنَّمَا الْفَوْتُ في الدُّورِ الْهَدْمُ وَالْبُنْيَانُ، فَإِذَا تَفَاوَتَتْ بِهَدْمٍ أَوْ بُنْيَانٍ كَانَتْ عَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ يَوْمَ قَبْضِهَا وَلَا يَسْتَطِيعُ رَدَّهَا.
فَأَرَى الْآنَ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِمَا لَزِمَ الْمُشْتَرِيَ مِنْ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَهَا؛ لِأَنَّهَا قَدْ صَارَتْ الْآنَ بَيْعًا لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا، وَإِنْ كَانَ أَحْدَثَ الْمُشْتَرِي فيهَا بُنْيَانًا لَمْ يَأْخُذْهَا حَتَّى يَدْفَعَ إلَيْهِ قِيمَةَ مَا أَنْفَقَ مَعَ الْقِيمَةِ الَّتِي وَجَبَتْ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ انْهَدَمَتْ لَمْ يُوضَعْ لِلشَّفيعِ مِنْ قَبْلِ الْهَدْمِ شَيْءٌ، وَقِيلَ لَهُ خُذْهَا بِقِيمَتِهَا الَّتِي لَزِمْت الْمُشْتَرِيَ أَوْ دَعْ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ فُسِخَ الْبَيْعُ، وَلَيْسَ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ فَاسِدٌ، فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى الشَّفيعِ شُفْعَتَهُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا تَصِيرُ صَفْقَتُهُ مِثْلَ صَفْقَةِ الْمُشْتَرِي، وَصَفْقَةُ الْمُشْتَرِي وَقَعَتْ فَاسِدَةً، فَكَذَلِكَ تَقَعُ صَفْقَةُ الشَّفيعِ، وَكَمَا تُرَدُّ صَفْقَةُ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ تُرَدَّ صَفْقَةُ الْمُشْتَرِي.
قُلْت: فَلَوْ اشْتَرَاهَا مُشْتَرٍ بَيْعًا فَاسِدًا ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا صَحِيحًا؟
فَقَالَ: لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَ، إنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي وَهُوَ الْبَيْعُ الصَّحِيحُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
قَالَ: فَإِنْ قَالَ: أَنَا آخُذُ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، قُلْنَا: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، إنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَوْ يَدَعَ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمُشْتَرِي الِاشْتِرَاءَ الْفَاسِدَ فَوْتٌ، فَلِذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي وَكَانَ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ بِالْبَيْعِ الثَّانِي.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْأَشْيَاءِ كُلِّهَا: مَنْ بَاعَ بَيْعًا حَرَامًا كَانَ لَا يُقَرُّ عَلَى حَالٍ، وَيُفْسَخُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ، فَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَتَفَاوَتَ في يَدِهِ بَاعَهُ بَيْعًا حَلَالًا.
قَالَ مَالِكٌ: يَنْفُذُ الْبَيْعُ الثَّانِي وَلَا يُرَدُّ وَيَتَرَادَّانِ - الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ - الثَّمَنَ فيمَا بَيْنَهُمَا وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ بِالْقِيمَةِ يَوْمَ قَبَضَ، فَعَلَى هَذَا رَأَيْت مَسْأَلَتَك في الشُّفْعَةِ.
وَإِنَّمَا رَأَيْت لِلشَّفيعِ أَنْ لَا يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ إنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ كَانَ ذَلِكَ مَفْسُوخًا، فيرُدُّ حِينَئِذٍ إلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ وَيُفْسَخُ بَيْعُ الْآخَرِ الصَّحِيحِ، فَلَا يَكُونُ لِلشَّفيعِ الشُّفْعَةُ، إنْ طَلَب أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ أَوْ يَدَعَ وَيَتَرَادَّانِ الْأَوَّلَانِ الْقِيمَةَ فيمَا بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنِّي اسْتَحْسَنْت هَذَا عَلَى مَا أَخْبَرْتُك مِنْ قَوْلِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالدَّارُ بِعَيْنِهَا لَمْ تَفُتْ بِبِنَاءٍ وَلَا بِهَدْمٍ، فَأَمَّا إذَا فَاتَتْ بِالْبِنَاءِ أَوْ بِالْهَدْمِ، فَإِنَّ الشَّفيعَ يَأْخُذُ إنْ شَاءَ بِالْقِيمَةِ الَّتِي لَزِمْت الْمُشْتَرِي، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالثَّمَنِ الَّذِي بِيعَتْ بِهِ في الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَهِيَ إذَا فَاتَتْ فَإِنَّمَا كَانَ لِلشَّفيعِ أَنْ يَأْخُذَهَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّهَا تُرَدُّ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَقَدْ لَزِمَتْهُ الْقِيمَةُ فيهَا حَتَّى كَأَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ تَرَادَّ - الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ - الْبَيْعَ فيمَا بَيْنَهُمَا، وَالشِّقْصُ مَنْ الدَّارِ في يَدَيَّ الْمُشْتَرِي الثَّانِي الَّذِي اشْتَرَى اشْتِرَاءً صَحِيحًا، فَقَدِمَ الشَّفيعُ بَعْدَمَا تَرَادَّا الثَّمَنَ فيمَا بَيْنَهُمَا وَغَرِمَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الْقِيمَةَ لِلْبَائِعِ، فَقَدِمَ الشَّفيعُ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ بِالشُّفْعَةِ؟
قَالَ: ذَلِكَ لِلشَّفيعِ، يَأْخُذُ بِأَيِّ ذَلِكَ شَاءَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ الثَّانِيَ الَّذِي اشْتَرَى الدَّارَ شِرَاءً صَحِيحًا، لَوْ أَصَابَ بِالدَّارِ عَيْبًا بَعْدَمَا تَرَادَّ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ الثَّمَنَ فيمَا بَيْنَهُمَا، وَتَرَاجَعَا إلَى الْقِيمَةِ بِقَضَاءِ قَاضٍ أَوْ بِغَيْرِ قَضَاءِ قَاضٍ، فَأَرَادَ هَذَا الْمُشْتَرِي الثَّانِي أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالْعَيْبِ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ، فَإِنْ رَدَّهَا عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَدْ صَحَّ فيمَا بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ الَّتِي تَرَاجَعَا إلَيْهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ إنَّمَا يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ، فيكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا بِالْعَيْبِ الَّذِي رُدَّتْ عَلَيْهِ بِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالْقِيمَةِ الَّتِي كَانَ أَخَذَهَا مِنْهُ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اكْتَرَى دَابَّةً إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ، فَتَعَدَّى ذَلِكَ الْمَوْضِعَ، فَضَلَّتْ مِنْهُ الدَّابَّةُ فَضَمَّنَهُ رَبُّ الدَّابَّةِ قِيمَةَ الدَّابَّةِ وَقَبَضَ الْقِيمَةَ، ثُمَّ أَصَابَ الْمُتَعَدِّي بَعْدَ ذَلِكَ الدَّابَّةَ بِحَالِهَا لَمْ تَتَغَيَّرْ، فَأَرَادَ رَبُّهَا أَنْ يَسْتَرِدَّهَا وَيَرُدَّ الثَّمَنَ عَلَى الْمُتَعَدِّي.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ ضَمِنَ الْقِيمَةَ لَهُ وَنَفَّذَ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بَيْعٌ قَدْ تَمَّ بَيْنَهُمَا، فَكَذَلِكَ مَا فَسَّرْت لَك مِنْ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا تَرَاجَعَا إلَى الْقِيمَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَا كَانَ مَنْ الْآجَامِ وَالْغِيَاضِ، أَتَكُونُ في ذَلِكَ شُفْعَةٌ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَهُمَا فَفيهَا الشُّفْعَةُ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: في الْأَرْضِ كُلِّهَا الشُّفْعَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ اشْتَرَيْت شِقْصًا في أَرْضٍ وَشِقْصًا في عَيْنٍ مِنْ رَجُلٍ، وَالْعَيْنُ لِتِلْكَ الْأَرْضِ وَشِرْبُ تِلْكَ الْأَرْضِ مِنْ تِلْكَ الْعَيْنِ، أَوْ كَانَ مَوْضِعُ الْعَيْنِ بِئْرًا تَشْرَبُ الْأَرْضُ مِنْهَا، فَاشْتَرَيْت شِقْصًا مِنْ الْأَرْضِ وَبِئْرِهَا، فَغَار مَاءُ الْبِئْرِ أَوْ مَاءُ الْعَيْنِ، ثُمَّ أَتَى الشَّفيعُ لِيَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلشَّفيعِ: خُذْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ دَعْ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْبُنْيَانِ مَا قَدْ أَخْبَرْتُك لَوْ احْتَرَقَ أَوْ انْهَدَمَ أَوْ هَدَمَهُ الْمُشْتَرِي لِيَبْنِيَهُ، فَإِنَّ الشَّفيعَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ أَوْ يَدَعُ وَكَذَلِكَ هَذَا.